الجمعة، 18 أكتوبر 2013

مقدمة في قضايا الطاقة: المعايير و الاستخدامات


§         التصميم المعماري و تغيّر التقنيات
يتوقع السكان ان تساعد المباني على توفير اسباب الراحة و ذلك بتخفيف الاثار السلبية للمناخ. فسكان المباني في الوقت الحاضر يتوقعون مستويات عالية من الراحة تحت اقصى الظروف المناخية. و منذ العصور الوسطى حتى وقت قريب كانت الترتيبات المتخذة لتوفير الراحة البصرية و الحرارية ترتيبات رئيسية تندرج من ضمن مسئوليات المهندس المعماري. و غالبا ما شغل المهندس المعماري منصب "رئيس البنائيين" الذي يشرف على عمليات التصميم و التشييد و يجعلهما متكاملان و ذلك حتى مطلع القرن العشرين. و التقنيات الجديدة التي ظهرت في القرن التاسع عشر و التي أثمرت نتائجها في القرن العشرين قد غيرت الطريقة التي نبنى بها المباني، و ذلك بجانب دور و تصور المهندس المعماري. فمواد التشييد - مثل الحديد و الصلب و الخرسانة المسلحة - جعلت من الممكن بناء مباني شاهقة، و حررت الجدران من الدور الهيكلي الذي لعبته على مدى قرون عديدة. و ذلك حيث ان اعمال التشييد المتمثلة في الاعمدة و الكمرات و الأرضيات الخرسانة المسلحة تمكنت من تحمُّل الاحمال الإنشائية. كما أصبح من الممكن تشكيل الجدران من مواد رقيقة و خفيفة مثل الالومنيوم، و في بعض الحالات يمكن تشكليها من الزجاج.
إن النصف الثاني من القرن العشرين قد شهد تطورات جديدة في اعمال التبريد و الإضاءة - خصوصا اعمال التكييف و الإضاءة بمصابيح النيون - و التي اسفرت  بشكل واضح عن تغييرات في تصميم المباني. فالأساليب التقليدية التي كانت متبعة لتوفير الراحة الحرارية و البصرية قد تجاهلها كثير من المهندسين المعماريين في خمسينيات القرن العشرين، و قاموا بإستبدال الجدران الحرارية الثقيلة بمواد خفيفة، و الاضاءة و التهوية الطبيعية بمصابيح كهربائية و معدات تبريد ميكانيكية. كما تم توصيف أنواع من الزجاج الذي يتمتص الحرارة بدلا من إستخدام المظلات. فالإيمان العميق بالحلول التقنية الذي كانت منتشرة في ذلك الوقت قد أدت إلى الاعتقاد بان ظروف البيئة الداخلية المثلى التي لا تتغير افضل من التي تتغير بتغير ساعات اليوم و فصول السنة. و للأسف فإنه من السهل ان نرى بعد فوات الاوان سذاجة هذه العقلية  التي لم يصاحبها وعي بيئي مقبول إلا أقلية قد أعربت عن قلقها حول إستخدامات  الطاقة بالمباني. و في ذلك الوقت قد وعدت هيئة المرافق العامة بان الطاقة النووية سوف ينتج عنها طاقة كهربائية رخيصة تصل لدرجة غض النظر عن متابعة إستهلاكها. و رغم أنه لم تختفي بالكامل الدراسات و الابحاث المتعلقة بتوفير الطاقة و التصميم المناخي المسئول، قد وجدنا ان الرؤية الامريكية التاريخية لغنى الموارد الخضراء و وفرة المناجم كانت اعتقاد غير قابل للنقاش قد ساد في ذلك الوقت.
تجزئة عملية التصميم
لقد قام المهندسون المعماريون في آخر فترة الحرب العالمية الثانية بالتنازل عن مسئولياتهم عن توفير الراحة إلى المهندسين الميكانيكين و الكهربائيين، معتقدين أنه من الافضل تقديم الراحة عن طريق المعدات بدلا من تقديمها عن طريق التصميم المعماري المناسب. فقد أعتمد المهندسون المعماريون على الإستشاريين التخصصيين، حيث ان كل إستشاري من هؤلاء الاستشاريين قد قام  بتحديد مجال خبراته و مسئولياته الفنية. و نتيجة لذلك فقد أصبح من الصعب فهم آثار ذلك المنهج التصميمي على استخدامات الطاقة و راحة السكان، أو على الأقل- كما كان يبدوا في ذلك الوقت - فإن هذه العوامل قد تم تجاهلها بسبب التقنيات الجديدة. و لذلك فإن التصميم المتكامل المتأثر بالمناخ كان من الصعب تحقيقه في ظل هذا التصميم المجزأ و الذي كان ينموا بصورة متزايدة. فذلك النموذج يدفع الإستشاريين التخصصيين على تصميم أعمالهم وفقاً لحجم التكلفة الإجمالية، و لايقدم لفريق  التصميم إلا حافز ضعيف من اجل الحد من الحلول الفنية التي تكثف من استخدامات الطاقة. و نظراً لأن هذه التغيرات كانت كبيرة، فلابد من تذكر كيفية حدوثها في تاريخ العمارة الحديثة.
تطور مكيفات الهواء
إن الاختراع الذي نطلق عليه اليوم مكيفات الهواء يُنْسَب إلى وليام كاريير، الذي بنى إختراعه على تقنيات التبريد التي ظهرت في القرن التاسع عشر. و حصل كاريير على براءة إختراع هذه التقنية في عام 1906، و التي كانت لها القدرة على تبريد الهواء بالاضافة إلى التحكم في رطوبته. و قد قامت شركته في عشرينيات القرن العشرين بتركيب مكيفات الهواء في المسارح، و المحلات التجارية، و مجلس الشيوخ و النواب بالولايات المتحدة الامريكية. كما قامت شركة كاريير بتطوير وحدات تكييف صغيرة مناسبة للوحدات السكينة، و لكن الكساد الكبير في ذلك الوقت قد حد من إنتشارها. و لم يتمكن كاريير من تطوير انظمة التكييف الصغيرة الملائمة للإستخدام في المباني الشاهقة حتى أواخر ثلاثينيات القرن العشرين. و لم تصبح مكيفات الهواء مألوفة في المباني الشاهقة حتى أواخر أربعينيات و أوائل خمسينيات القرن العشرين بسبب إشتراك الولايات المتحدة الامريكية في الحرب العالمية الثانية في عام 1941. كما لم تصبح المكيفات الخاصة بالوحدات السكنية منتشرة حتى ستينيات و سبعينيات القرن العشرين. أما في الوقت الحالي فإن أكثر من 90% من المنازل الجديدة يتم بناءها كاملة بمكيفات مركزية.
كانت الظروف الحارة - في المناخ الجاف بالغرب الامريكي - يتم علاجها بالتظليل، و بحركة الهواء، و بالكتلة الحرارية قبل إستخدام مكيفات الهواء. فإذا لم تكن الرطوبة قاسية فإن حركة الهواء يمكنها توفير الراحة عندما تكون درجة الحرارة أقل من 85 درجة فهرنهيت (ف) او ما يعادل 30 درجة مئوية (م) تقريبا. و غالبا ما كان يتم إضافة مظلات إلى النوافذ لتوفير التظليل الموسمي. و كان يتم إستخدام نوافذ قابلة للفتح و الغلق للسماح بالتهوية، و كان يتم توزيعها على مستويات مختلفة من المبنى. و عندما لم تكن التهوية المعتمدة على حركة الرياح متاحة، كان يتم إستخدام مراوح سقفية و جانبية لتحريك الهواء. و عندما تكون كلا من  درجة الحرارة و الرطوبة مرتفعتان كان من الممكن تلطيف البيئة الداخلية، و لكن كان من المستحيل توفير نفس الظروف التي يتوقعها سكان المباني في الوقت الحاضر. و كان سكان المباني يدركون ان الظروف الحرارية تتغير مع الفصول و كانوا يرتدون ملابس مناسبة لذلك الوضع. و توفير التظليل و فرص تحريك الهواء كانت جزء من ثقافة المهندسين المعماريين.
تأثير إضاءة مصابيح النيون
إن إضاءة مصابيح النيون تستهلك طاقة و تنتج حرارة أقل من مصابيح الفتيل المتوهج بهدف تحقيق مستوى الاضاءة المطلوبة. و اصبحت هذه النوعية من المصابيح متوفرة بالاسواق في سنة 1938 بعد ظهور مكيفات الهواء. كما ان الحرب العالمية الثانية سرّعت من إنتشارها. فالإنتاج الصناعي ازدهر من اجل دعم المجهود الحربي، و كان يتم إستخدام مصابيح النيون بكثرة في إضاءة المنشئات الصناعية. و في أوائل خمسينيات القرن العشرين أصبحت مصابيح النيون مألوفة في المباني التجارية.
إن الجمع بين إضاءة مصابيح النيون و مكيفات الهواء كان له تأثير شديد على شكل المباني. فالمباني الشاهقة في النصف الاول من القرن العشرين كان يتم تصميمها بحيث يكون عمق ارضيات الادوار صغير و لا يزيد في الغالب عن 50 قدم و كان يصاحب ذلك اسقف مرتفعة. و قد سمح هذا التصميم بإضاءة المبنى خلال معظم ساعات العمل، و بتبريده من خلال التهوية عبر النوافذ القابلة للفتح و الغلق في معظم أوقات السنة. أما المباني ذات الارضيات الاكثر إتساعا التي تتطلب إضاءة بمصابيح  الفتيل المتوهج في المناطق التي لا تصل إليها الإضاءة الطبيعية كان من الصعب السكن فيها في معظم اوقات السنة بسبب الحرارة المنبعثة من معدات الإضاءة و ما يقابلها من صعوبات في توفير التهوية الطبيعية. اما مع إضاءة مصابيح النيون و مكيفات الهواء فأصبح من الممكن إنشاء مباني اكبر اتساعا، و لكنها تتطلب طاقة لتشغيلها و تحد من التواصل بين السكان و العالم الخارجي.
 
شكل 9-1 منطقة الراحة: يمكن توسيع حدود منطقة الراحة البشرية عن طريق تظليل أشعة الشمس، و حركة الهواء، و الترطيب، و إستخدام الكتلة الحرارية.


 
 
 
شكل 9-2 أ، ب المباني الشاهقة: المباني الشاهقة في النصف الاول من القرن العشرين  كان يتم تصميمها بحيث تكون الإضاءة الطبيعية هي نظام الاضاءة الاساسي و بحيث تكون النوافذ القابلة للفتح و الغلق هي وسيلة التبريد و التهوية.
 
قم بدراسة بيئتك
خلال نشاطك اليومي خذ بعض الوقت من اجل تحديد و مشاهدة المباني التي تم تشييدها قبل عام 1950. ثم قم بسؤال نفسك كيفية إختلافها عن المباني الاكثر حداثة؟ و قارن حجمها، و إرتفاع سقفها، و مساحة نوافذها بمثيلها من المباني الجديدة.  و بالنسبة للمباني الحديثة، هل يمكن أن يتم فتح نوافذها؟ و هل يمكنك مشاهدة مناورها أو توجد ادلة انها كانت موجودة في وقت ما؟ اما بالنسبة للمباني القديمة، فهل تشاهد شرفات على السطح تعمل على تظليل النوافذ؟ و مها كانت من مباني تجارية او سكنية، لاحظ الاختلافات الموجودة فيها بين القديمة و الحديثة و ذلك من حيث الطريقة التي تسمح، او تمنع، او تخفف فيها من أثار الشمس، و الرياح، و الاضاءة.
إن قلة الموارد، و تأثير العوامل الجيوسياسية، و إدراك آثار إستهلاك الطاقة على البيئة قد أدت بشكل كبير إلى الاهتمام بالحد من إستهلاك الطاقة بالمباني. و في نفس الوقت يهتم سكان المباني بإستمرار بتوفير نافذة إلى الاضاءة الطبيعية و التحكم الشخصى بالبيئة المحيطة. و يصاحب هذه الإهتمامات دراسة فوائد و حدود التصميمات التقليدية للمباني مع إدراك التطبيقات المناسبة للتقنيات الحديثة.
توفير الطاقة، و قلة الموارد، و الإحترار العالمي
إن أسباب القلق بشأن إستهلاك الطاقة اللازمة لتشغيل المباني التي نسكنها، و نعمل، و نلعب فيها هي اربعة أسباب رئيسية. أولا: ان الوقود الذي نستهلكه في الوقت الحاضر لتوليد الطاقة هو مصدر إلى حد كبير غير متجدد، و الامر الاكيد ان إمداداته غير دائمة. ثانيا: إن مواقع الغاز الطبيعي - الذي يمثل انظف انواع الوقود الشائعة الاستخدام في الوقت الحاضر - محدودة و تتركز بشكل رئيسي في المناطق الجيوسياسية الساخنة. ثالثا: إستمرار زيادة الطلب على الوقود في السوق العالمي - و خصوصا النمو الاقتصادي لبعض الدول المصدرة و الذي أدى إلى تحولها إلى دول مستوردة -  و زيادة مستويات الإنتاج ربما لا يظل مرتفعا مما يؤدي إلى إرتفاع الاسعار. رابعا: إن موارد الفحم متوفرة محليا، و عند حرقها لتوليد معظم إحتياجاتنا من الكهرباء ينطلق منها غازات في الهواء الجوي تغير بشكل درامي مناخ الكرة الارضية.
لابد من فهم الدور المحوري الذي يلعبه تصميم و تشغيل المباني في تشكيل مستقبلنا المتعلق بالطاقة. فتشغيل المباني في امريكا الشمالية يستهلك بشكل مباشر اكثر من ثلث إستهلاك الطاقة و ما يفوق 60% من إستهلاك الكهرباء. و شكلت المباني بالولايات المتحدة الامريكية في مطلع القرن الحادي و العشرين حوالي 10% من الاستهلاك العالمي للطاقة. و إذا اضفنا النشاط الصناعي الذي يوفر احتياجات قطاع المباني فإن تأثير إستهلاك المباني من الطاقة يصبح ضخما.
إن الإرتباط بين إستهلاك الطاقة في تشييد المباني و تشغيلها و المشاكل البيئية العالمية لا جدال فيه. فغاز ثاني أكسيد الكربون و الغازات الدفيئة الاخرى تشكل طبقة عازلة حول الارض تؤدي إلى إحتباس الحرارة المنطلقة من الشمس إلى الكرة الأرضية. كما ان زيادة مستويات هذه الغازات في الهواء الجوي يؤدي إلى تغيير المناخ الاقليمي و العالمي على حد سواء.
 
شكل 9-3 مؤشر التنمية البشرية و إستهلاك الكهرباء: مؤشر الامم المتحدة للتنمية البشرية - الذي يضم إحصائيات عن مستوى طول عمر الفرد، و المكتسبات التعليمية، و مستوى المعيشة لكل فرد - يشير إلى أن إستهلاك الكهرباء بامريكا الشمالية يمكن ان يتم تخفيضه مع القليل من الاثار السلبية.


لقد صرح الفريق الدولي للتغيرات المناخية (IPCC) - الذي تنظمه منظمة الارصاد الجوية العالمية (WMO) التابعة للأمم المتحدة و البرنامج البيئي للأمم المتحدة (UNEP) - في فبراير من عام 2007 بأن "المصدر الرئيسي لزيادة تركيز غاز ثاني اكسيد الكربون منذ ما قبل عصر النهضة الصناعية ينتج عن استخدام الوقود الاحفوري، و ان التغير في استخدام الاراضي يضيف تأثير آخر ملحوظ و لكن بمساهمة أقل حجما."[1] و رغم ان الدراسة الشاملة للإحترار العالمي خارج نطاق هذا الكتاب، فجدير بالذكر أنه يوجد إجماع بأن آثار الاحترار العالمي على الحياه بالكرة الارضية كبير و يمكن أن يؤدي إلى إنقراض نصف الكائنات الحية. و أن إقتصادنا يواجة مخاطر كبيرة نتيجة تغير المناخ الذي يؤثر على موارد المياه، و الزراعة، و الغابات، و الإقامة الطبيعية لعدد من الحيوانات و النباتات. و ان إرتفاع مستوى البحار - الناتج عن الانبعاث المفرط للغازات الدفيئة - سوف يتسبب في الفيضانات، و ظهور  أزمة لاجئين في عديد من المناطق الساحلية.
إن استنفاذ غاز الآوزون بطبقة الغلاف الجوي العلوي و ثقب الآوزون الناتج عنه - الذي قد تسبب في زيادة الاشعة تحت البنفسجية على سطح الأرض - أسبابه المباشرة هي إستخدام سوائل التبريد بأنظمة تكييف الهواء.  و نجد على المستوى المحلي أن زيادة الطلب على الطاقة - و ما يصاحبة من إحتياج إلى محطات توليد للطاقة، و بناء سدود مياه على نطاق واسع، و التنقيب عن النفط و الغاز الطبيعي، و مواقع للتنجيم - يساهم في تدمير المواطن الطبيعية، و إزالة الغابات، و تدهور نوعية الهواء و المياه.
إن معالجة الإحترار العالمي و الإستدامة البيئية سوف يتطلب اكثر من مجرد تغييرات في الطريقة التي نبنى بها. فلا توجد مباني مستدامة و لكن فقط مجتمعات مستدامة. و مع ذلك فإن تصميم المباني التي تستهلك اقل قدر من الطاقة هي خطوة ضرورية لتلبية هذه التحديات البيئية. فما هي المعايير التي يمكن ان تساعدنا على تصميم مباني تحد بشكل كبير من استهلاكنا للطاقة ؟
§         معايير المباني الموفرة للطاقة
إستهلاك الطاقة في امريكا الشمالية
إن السؤال الاول الذي يطرح نفسه عند تصميم مباني تجارية او سكنية هو "ما هو مستوى الاداء الذي يمكن تحقيقه، و بأي تكلفة؟ و إلى أي مدى يمكننا تخفيض إستهلاك الطاقة؟ و ما هي الصعوبات التي سوف تواجهنا لتحقيق ذلك؟ و ما هي الاثار المترتبة على مستوى معيشتنا؟" إن الأمم المتحدة تقوم بحساب مؤشر التنمية البشري الذي يضم إحصائيات عن مستوى طول عمر الفرد، و المكتسبات التعليمية، و مستوى المعيشة لكل فرد.[2]
إن مؤشرات التنمية البشرية بالولايات المتحدة الامريكية و كندا ليس أعلى من هولندا، و ألمانيا، وفرنسا و لكن استهلاك الطاقة أعلى بكثير. في الحقيقة ان استهلاك الطاقة و إنبعاثات الغازات الدفيئة لكل فرد بالولايات المتحدة الامريكية و كندا من بين  أعلى المعدلات في العالم. إن الظروف الاقليمية و المحلية لها التأثير الاكبر على إستهلاك الطاقة. و مع ذلك فإن البيانات تشير إلى أنه يمكن تخفيض إستهلاك الطاقة بالولايات المتحدة الامريكية و كندا بدون تغيير مستوى التنمية البشرية.
فببساطة اننا نحتاج بالفعل إلى توظيف التصميمات و الممارسات المستدامة الشائعة الإستخدام داخل المباني في البلدان المتقدمة الاخرى.
 
شكل 9-4 تأثير معايير توفير الطاقة بولاية كاليفورنيا: معهد كاليفورنيا للطاقة قام بوضع معايير للمباني و الاجهزة لاكثر من ثلاثين عاما مضت. إن استهلاك الفرد من الكهرباء في كاليفورنيا قد ظل ثابتا منذ عام 1973 في حين ان الاستهلاك في باقي الولايات الامريكية قد إرتفع بنسبة 50%.


تجربة كاليفورنيا

إن إستهلاك الفرد من الطاقة يتفاوت بشكل كبير بين الولايات الامريكية. فإستهلاك الطاقة في كثير من الولايات الامريكية و على وجه الخصوص كاليفورنيا اقل بكثير من الولايات الاخرى. و لم يكن ذلك هو الحال دائما. فمنذ عام 1973 ظل معدل استهلاك الكهرباء بولاية كاليفورنيا ثابتا تقريبا، في حين ان معدل استهلاك الفرد على مستوى الامة كلها قد زاد بحوالي 50%. ففي سبعينيات القرن العشرين شرعت ولاية كاليفورنيا بوضع معاير إستهلاك الطاقة بالمباني و الاجهز المنزلية، و هذه المعاير اصبحت اشد صرامة مع تطور الاساليب و التقنيات الجديدة. فمع أن أهل كاليفورنيا ليسوا معروفين بأنهم يحافظوا على نمط حياة قاسي، إلا أنهم رغم ذلك يستهلكوا الكهرباء بمستوى يقترب من مستويات الاستهلاك بفرنسا و اليابان و اقل من مستويات الإستهلاك بالاجزاء الاخرى من الولايات المتحدة الامريكية. كما يثبت ذلك ان الاستراتيجيات المستخدمة بالفعل في ولاية كاليفورنيا يمكنها ان تقدم نموذج يحتذى به في الحد من إستهلاك الطاقة بالمباني عبر الولايات المتحدة الامريكية و كندا بدون الآثار السلبية على مستويات المعيشة بتلك المناطق.

اما بالنسبة للممارسات المهنية، فلابد من وجود معيار او مقياس يتم الرجوع إليه عند تقييم تصميم المباني لمعرفة مدى نجاحها في تحقيق الحد الادني من ترشيد إستهلاك الطاقة. و كما ذكرنا فإن ولاية كاليفورنيا لديها معايير ترشيد إستهلاك الطاقة بالمباني منذ سبعينيات القرن العشرين. هذه المعايير هي بشكل رسمي تحت عنوان رقم 24، جزء رقم 6، لكود كاليفورنيا للأنظمة، معايير الطاقة للمباني السكنية و غير السكنية، و لكن العنوان الاكثر شيوعا يتم الإشارة إليه بمعايير الطاقة رقم 24. و هذه المعايير يتم تحديثها بشكل دوري و متاحة على موقع لجنة كاليفورنيا للطاقة.[3] فالامتثال لمعايير الطاقة رقم 24 مطلوب قبل إستخراج تصريح المباني و قبل إمكانية البدء في الإنشاء. و مع ذلك فإن إستعمال هذه المعايير في اجزاء اخرى من البلاد محدود، وذلك لانها تم كتابتها خصوصا للأقاليم المناخية بولاية كاليفورنيا.

معايير الطاقة الوطنية

إن جمعية المهندسين الامريكيين للتدفئة و تكييف الهواء (ASHRAE) نشرت المعيار رقم 90.1 (للمباني السكنية الشاهقة و المباني غير السكنية)، و هي تنطبق على الولايات المتحدة الامريكية و كندا. فمعايير (ASHRAE) التي تم نشرها في عام 2007 قد قسمت هذه البلاد إلى ثمانية أقاليم مناخية مرتبطة بمتطلبات متباينة. كما ان مجلس الكود العالمي (ICC) وضع الكود العالمي لترشيد إستهلاك الطاقة (IECC) - أول إصدار له كان في عام 1998 - ليحل محل كود نموذج الطاقة السابق (MEC). و آخر نسخة من الكود العالمي لترشيد الطاقة (IECC) تم إصدارها في عام 2006.

معايير الطاقة و محاكاة الكمبيوتر

إن معايير ASHRAE، و ICC، و كاليفورنيا متشابهة في وضعها للحد الأدني من المتطلبات الإلزامية الخاصة بغلاف المبنى، و الأنظمة الميكانيكية، و الإضاءة الكهربائية. و يمكن الحيود عن القواعد الإلزامية بشرط عمل محاكاة للطاقة بالمباني بتطبيق برنامج معتمد. كما يجب أن تبرهن المحاكاة ان المخطط المقترح ككل هو مساوي لتصميم مماثل متوافق مع كل المتطلبات الإلزامية. و لابد إدراك ما تدل عليه هذه المحاكاة و ما لا تدل عليه. فهذه المحاكاة ليست تنبؤ بأداء الطاقة بالمباني، و لكن هي توثيق للإمتثال بالمعايير المعطاة. و بالإضافة إلى توثيق هذا الإلتزام، فإن هذه المحاكاة هي أداة ممتازة للتقييم و الإختيار من بين بدائل التصميم المقترحة. و من النادر إعتبارها تنبؤ دقيق لأداء الطاقة بالمبنى بعد إشغال بالسكان. و ستتم مناقشات أخرى عن أدوات محاكات الطاقة لاحقا في هذا الفصل.

لابد ان نتذكر أن تلك المعايير هي من أجل عملية التصميم. و أن التصميم الجيد هو خطوة ضرورية، إلا أنه لا يضمن توفير الطاقة. كما أن تشغيل المباني له نفس القدر من الأهمية. فهل شاهدنا توفير حقيقي للطاقة عن طريق متطلبات تصميم متقدمة؟ و نظراً لأن الطرق المختلفة التي يتم بها إستخدام المبانى، و إختلاف نوعية تشغيل المباني و صيانتها، فإن الإجابه هي نعم في بعض الأحيان و لكنها ليست دائما.

نحو معايير وطنية للطاقة

لقد قام مجلس الشيوخ الامريكي - في قانون سياسات الطاقة (EPAct) لسنة 1992 - بتكليف جميع الولايات الأمريكية بمراجعة و النظر في إعتماد معايير ASHRAE رقم 90.1 للمباني التجارية و كود نموذج الطاقة لتشييد المباني السكنية (حاليا هو كود IECC) بغرض فرض تطبيقهم. كما طالب مجلس الشيوخ الامريكي من وزارة الطاقة الامريكية (DOE) مراجعة الإصدار الجديد من معايير ASHRAE رقم 90.1 و معايير IECC فور نشرها لتحديد ما إذا كان الإصدار الجديد من الممكن ان يحسّن ترشيد إستهلاك الطاقة في المباني التجارية و السكنية. فإذا أخذت وزارة الطاقة (DOE) قرارا إيجابيا بالنسبة للمباني التجارية، فمطلوب من الولايات تحديث أكوادها لتلبي أو تتجاوز متطلبات الاصدار الجديد. و بالنسبة للمباني السكينة منخفضة الإرتفاع أو الأقل من أربعة طوابق، فمطلوب من الولايات النظر في إعتماد كود يلبي أو يتجاوز متطلبات الإصدار الجديد. و في الوقت الحالي فإن آخر قرار منشور هو لمعايير ASHRAE رقم 90.1 لسنة 1999 و معايير IECC لسنة 2000. و في الطريق نشر قرار وزارة الطاقة الامريكية (DOE) لاحدث الاصدارات من هذه المعايير. إن العملية الكاملة لإتخاذ القرار و النتائج المتاحة قد تكون متوفرة على الموقع التالي:

http://www.energycodes.gov/implement/determinations.stm. 

كما ان خرائط وزارة الطاقة الأمريكية لإعتماد الولايات قد تكون متاحة على الموقع التالي:

http://www.energycodes.gov/states/maps/commercialAdoptionActivity.stm

تحقيق تخفيضات كبيرة في إستهلاك الطاقة

إن تطبيق معايير الطاقة الحديثة في جميع أنحاء الولايات المتحدة الامريكية يمكن أن يحد من الإحتياج لمرافق جديدة لتوليد الكهرباء، و تحد من إستهلاك الغاز الطبيعي اللازم لتدفئة و تسخين المياه و الطهي. و مع ذلك و من أجل مواجهة التحديات المتعلقة بالإحترار العالمي، يجب علينا تحقيق تخفيض كبير في إستهلاك الطاقة بالمباني بشكل سريع. لذلك فإن ترشيد إستهلاك الطاقة و إستغلال الطاقات المتجددة لابد ان يسيروا جنبا إلى جنب. فالطاقة المتجددة تستطيع أن توفر نسبة كبيرة من إحتياجاتنا من الطاقة، عن طريق تخفيض الطلب على الطاقة بشكل كبير.

 إن منظمة عمارة 2030 هي منظمة مستقلة غير هادفة للربح، ظلت في الواجهة تدعوا إلى تحسينات جذرية لأداء المباني من أجل مواجهة الإحترار العالمي. هذه المنظمة منذ إنشاءها عام 2002 و هي تستهدف التحويل السريع بالولايات المتحدة الأمريكية و القطاع العالمي للمباني من وضعهم المساهم بشكل رئيسي في إنطلاق الغازات الدفيئة إلى أن تصبح جزء مركزي من حل أزمة الاحترار العالمي و ذلك بتغيير وسائل التخطيط، و التصميم، و التشييد، في البناء و التنمية. فمنظمة عمارة 2030 أصدرت تحدي 2030، الذي يطلب من المعماريين العالميين و مجتمع العاملين بالمباني تصميم كل المباني الجديدة، و وضع خطط تنمية، و عمل ابتكارات رئيسية تؤدي إلى تخفض إستهلاك الوقود الأحفوري و مصادر الطاقة التي تنطلق منها الغازات الدفيئة إلى 50% من المتوسط المحلي لأنواع المباني المختلفة. كما ان معايير الحد من الوقود الإحفوري يمكن ان تزداد صرامة كل خمسة سنوات - 60% عام 2010، و 70% عام 2015، و 80% عام 2020، و 90% عام 2025 - مع إستهداف تحييد الكربون عام 2030 عن طريق عدم إستخدام الوقود الإحفوري لتشغيل المباني الذي يتسبب في إنطلاق الغازات الدفيئة.

لقد أقر عدد من المنظمات الوطنية بتحديات 2030 و من ضمنهم المعهد الأمريكي للعمارة (AIA)، و المعهد الملكي الكندي للعمارة (RAIC)، و جمعية المهندسين الأمريكيين للتدفئة و التبريد و تكييف الهواء، و المجلس الامريكي للمباني الخضراء (USGBC).

إن الإعتراف بالطبيعة الصعبة للأهداف التي صدرت عن منظمة عمارة 2030 قد بدأت أن يكون لها تأثير. فمنظومة تقييم الريادة في الطاقة و التصميم البيئي (LEED) للمجلس الامريكي للمباني الخضراء يعزز ممارسات المباني البيئية التي تتناول ترشيد  الطاقة و ممارسات المباني البيئية الآخرى. و لتلبية متطلبات منظمة عمارة 2030 الخاصة بتخفيض الطاقة إلى 50% مقارنة بمتوسط إستهلاك انواع المباني المحلي من الطاقة، فإن مجلس الولايات المتحدة الامريكية للمباني الخضراء (USGBC) قد أوجب الآن ان تتجاوز مشاريع LEED معايير ASHRAE رقم 90.1 لسنة 2004. كما ان معايير LEED للمجلس الامريكي للمباني الخضراء USGBC الخاصة بالمباني الجديدة (LEED-NC 2.2) قد وضعت حد ادني لمستوى التصميم اقل بحوالي 14% من أحدث إصدار لمعايير ASHRAE الخاصة بالمشاريع غير السكنية.

التطورات الجديدة بولاية كاليفورنيا

إن الاهداف الحالية التي أعلنتها منظمتان من منظمات ولاية كاليفورنيا - مجلس الطاقة بولاية كاليفورنيا (CEC)، و مجلس كاليفورنيا للمرافق العامة (CPUC) - ليست أكثر اهمية مما تعكسه تحديات هذه الاهداف، التي تدعوا إلى أن تكون المباني السكنية بنهاية عام 2020 و المبان التجارية بنهاية عام 2030 مستهلكة لصفر من الطاقة. فما زالت توجد مسائل ينبغي الإجابة عليها، مثل التعريف الدقيق لإستهلاك صفر من الطاقة و ما يصاحبه من مقاييس لأداء المباني. و مع ذلك فإن الإتجاه واضح. فولاية كاليفورنيا سوف تطالب بالتخفيض الشديد لإستهلاك الطاقة بالمباني إستجابة لظاهرة الإحترار العالمي و الشكوك حول المعروض من الوقود الإحفوري.

إن متطلبات كلا من ولاية كاليفورنيا، و ASHRAE، و IECC، و LEED تؤثر على الممارسات المهنية. و مع ذلك فإن تطبيقاتها على أعمال الطلاب محدودة، نظرا للمستوى التخصصي المرتفع لكل هذه المعايير. كيف يمكن للطلاب أن يتعلموا كيفية تصميم المباني التي تستهلك طاقة أقل بكثير من المباني التقليدية؟ إن فهم المبادئ الأساسية للمناخ، و إنتقال الحرارة، و هندسة الطاقة الشمسية هي موضوعات جيدة من اجل البداية. كما ينبغي لهذه البداية أن يصاحبها معرفة لكيفية تأثير هذه المبادئ الاساسية على الاداء الحراري لمواد البناء الشائعة. فينبغي أن يتم دراسة إستراتيجيات التصميم الذاتي التي تحد من الإحتياج إلى التبريد الميكانيكي و الإضاءة الكهربائية. و إننا سوف نخوض في هذه المواضيع من خلال الفصول التالية.

المعايير و النمذجة الحاسوبية

إن نمذجة الطاقة الحاسوبية يتم إستخدامها لتوضيح الإمتثال لمعايير المباني، مثل معايير ASHRAE رقم 90.1 و معايير مقطع كاليفورنيا رقم 24. و لخلق مستوى مجال النمذجة، فإن نماذج الإمتثال تضع عددا من الإفتراضات المتعلقة بساعات التشغيل و أنماط الإستخدام. و نماذج الإمتثال لا تعكس بالضرورة كيفية إستخدام المبنى و تشغيله عند إشغاله. فإستراتيجيات مثل إستراتيجية عدم إستخدام التبريد الميكانيكي من خلال التصميم الذاتي غير معترف بها في نماذج الإمتثال.
 أما في التصميم الذي لا يستخدم التبريد الميكانيكي، فإن برامج نماذج الإمتثال تفترض أنظمة تبريد تلبي الحد الادني من المتطلبات القياسية. و لذلك فإن التصميم الذي لا يستخدم التبريد الميكانيكي قد يتجاوز بشكل كلي المعايير القياسية بهامش أصغر من المباني ذات مكيفات الهواء الموفرة للطاقة.

 إن برامج النمذجة المستخدمة لتوثيق الإمتثال في العادة يمكن إستخدامها في أغراض أخرى، فهي تسمح بمدخلات تعكس عن كثب ظروف التشغيل المتوقعة. و مثل هذه النمذجة يمكنها أن تكون أداة تحليل ممتازة لتقييم و إختيار التصميم المنافس من بين البدائل المختلفة. و مع ذلك فإن برامج الكمبيوتر الخاصة بنمذجة الطاقة نادرا ما يكون مقصود منها التنبؤ الدقيق لأداء الطاقة عند إشغال المبنى و ينبغي أن لا يتم النظر إليها بذلك المفهوم.



[1]  الفريق الدولي للتغيرات المناخية، تقرير التقيم الرابع، متاح على http://www.ipcc.ch/publications_and_data/publications_ipcc_fourth_assessment_report_synthesis_report.htm
[2]  برنامج الأمم المتحدة للتنمية، تقرير التنمية البشرية 2007/2008, متاح على http://hdr.undp.org/en/reports/global/hdr2007-2008
[3] عنوان رقم 24، جزء رقم 6، لكود كاليفورنيا للأنظمة، معايير الطاقة للمباني السكنية و غير السكنية، CEC-400-2008-001-CMF (سكرامنتو: لجنة كاليفورنيا للطاقة، ديسمبر 2008). معايير كاليفورنيا للطاقة يتم تحديثها دوريا و متاحة على موقع لجنة كاليفورنيا للطاقة، http://www.energy.ca.gov/title24 (تم دخول الموقع في 5 يناير، 2009)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق