الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

تاريخ الحركة البيئية

في نفس الوقت، و تحت هيمنة المجتمع الصناعي
بشكل سريع، و بزيادة شديدة السرعة و من العدم
بعض فقراء الكفر، بسرعة ظهروا
هنا مدينة ضخمة، متواصلة و مدمجة
تغطي وجه الارض لفراسخ - و هناك
حيث لم تسكن من قبل
بيوت الرجال تحتشد بغير نظام
مثل الاشجار في الغابة - تنتشر فوق حقول فسيحة
و هناك دخان نار متواصل
يتعانق بشكل دائم، و بوفرة مثل الاكاليل
مثل بخار يتلألأ في صباح مشمس
- وليم وردس ورث، "النزهة"
أنا اؤمن بالغابات، و المروج، و الليل الذي ينمو فيه الذرة
هنري ديفيد ثورو، "البشري"
 إنه من المستحيل إعطاء التتابع الزمني و تطور الحركة البييئة و ظهور المباني الخضراء حقهم كاملاً في هذا الكتاب. فنحن نتعامل مع خط زمنى يتضمن تتابع معقد  في المسارات و الاتجاهات. و غالبا يبدو أن التصدي لفك ذلك التعقيد يشابه فك عقد مجموعة من الخيوط المتشابكة. فمن السهل القيام بتتبع بعض المواضيع، و لكن من الصعب ان تلقي الضوء على البعض الاخر، و من المستحيل تقريبا تحديد مواضيع البداية.
لابد من الاخذ في الاعتبار بعض العوامل التالية لتوضيح ترابط الحركة البيئية و حركة المباني الخضراء:
·         إصرار و تفاني الرواد العالميين للدفع بالتشريعات العالمية، و الإتفاقات المهنية، و التخطيط لحماية البيئة.
·         النظر إلى تاريخ الحركة البيئية من منظور عالمي و ليس من منظور اقليمي.
·         الحاجة الى تحديد اسماء و معالم الاتجاهات الرئيسية.
·         تحديد المسارات بشكل دقيق و شامل من البدايات المحتملة حتى الزمن الحاضر، و ذلك بحيث يتم التركيز فيها على المسارات التي لها الاثر الاكبر على تطور المباني الخضراء.
·         فهم القضية بشكل موضوعي و ليس بشكل زمني.
و بناءً عليه فإن هذا الفصل سوف يعالج الموضوعات التالية،:
·         الجذور: القضايا المتشابهة.
·         التشعب: الرواد الاوائل.
·         المحفزات الرئيسية: الثورة الصناعية و الثورة الكيمائية الحديثة.
·         مقدمة لحركتي الرعاية و المحافظة.
·         مسارات مصاحبة للحركة البيئية:    الرعاية في مقابل المحافظة و اميرسون و ثورو.
·         الحركة البيئية.
·         البيئيون العالميون الحديثيون.
·         ظهور المباني الخضراء.
إن التاريخ البيئي هو فرع ضخم من الدراسات، و حركة معقدة، و ذلك من حيث مصادرها السياسية و الاجتماعية و العلمية. و نظراً لأن هدف هذا الفصل هو القاء نظرة عامة، فسوف يقوم فقط بتقديم الخطوط العريضة لاكثر مواضيع البيئة تداخلاً و ترابطاً. كما أننا نشجع الطلاب على مواصلة قراءة المواضيع الاضافية المذكورة في القائمة الموجودة بنهاية هذا الفصل.
§         الجزور
لا يمكن ربط اصول المباني الخضراء الى حدث وحيد و لكن الى آثار متراكمة من معالم تاريخ الجنس البشري. و لذلك فإننا نحتاج أولا الى القاء نظرة على بداية الادراك البيئي حتى يمكننا تتبع مسار تطورها.
فأسلافنا الاوائل كانوا بالفعل مرتبطين ببيئتهم، نظراً لان بقائهم على قيد الحياه يعتمد عليها. فكانوا يستغلون الموارد المتاحة لديهم لأغراض البناء، و الصيد، و اخيرا للزراعة و السفر.


شكل 2-  1 قصر انسازي، تم بناؤه تحت القبة الطبيعية للمنحدرات.
كان يتم إستغلالها الموارد في هذه الفترة في شكلها الخام، و كان شكل الحياه اليومية بسيط، كما أنها كانت وافرة بالنسبة لتعداد السكان و كثافتهم. و ما يستحق الذكر هنا هو ان الجنس البشرى في هذه الفترة المبكرة كان يعيش بتوازن مع الارض، و لكن كما ان تقاليد الحياه على تلك المساحات الصغيرة تشكل جزء من التاريخ المبكر للاستدامة فإنها تشكل ايضا جزء من التاريخ المبكر للهلاك. فالشعوب القديمة لا يمكن استثنائها من ذلك التاريخ.
فنحن - الجنس البشري منذ القدم - تعلمنا كيف نستنفذ الموارد الوفيرة المتاحة لدينا، فهذا سلوك مرتبط بتاريخ البشرية، و غالبا ما يصحبه خسائر ثقافية. فقد وضع جارد م. دايموند في كتابه (الإنهيار: كيف تختار المجتمعات بين النجاح و الفشل، 2005)، خمسة محاور محددة لتفسخ المجتمعات، و كانت من احدى تلك المحاور تدهور البيئة. و كان استنفاذ الموارد احد العوامل التي ادت الى انهيار عدة مجتمعات في وقت مبكر من تاريخ البشرية. و طبقاً لما ذكره دايموند في كتابه فإن زوال المجتمعات المبكرة يمكن تتبعها من خلال خمسة اسباب متداخلة: دمار البيئة، و التغير المناخي، و عدائية الجيران، و الشراكة التجارية، و مدى استجابة الجنس البشري لهذه الاحداث. فسكان الجزر الشرقية، الإنسازي (شكل 2-1)، و تعتبر قبائل المايا مثل من امثلة الخسائر الثقافية المبكرة التي قام بدرستها دايموند[1].
فمن خلال التاريخ قد فهم العلماء ان الكوارث الطبيعية - و اشكال اخرى من الدمار البيئي المصحوب باحداث مناخية متطرفة هي و توابعها - قد شكلت المجتمعات و البيئة المحيطة.
 لقد قام عالم التغيرات المناخية "نك بروك" بربط التغير المناخي بمسئولية تكوين الحضارات و الثقافات المتأقلمة مع بيئتها المحيطة. و لكنه اضاف ان الكوارث البيئية المفاجئة لم تسمح بالوقت الكافي لتأقلم بعض الثقافات مع ذلك التغير البيئي، و هو ما يعرف "بالقدرة على التأقلم"[2].
وكما وصف دايموند في كتابه الانهيار: فإن الفشل في التأقلم مع تأثير التغيرات المناخية على النظام الحيوي و موارد الغذاء و شكل المناخ هو نتيجة عدم استجابة البشر الفعّالة مع هذه التغيرات.
لقد أصبح واضحاً أن الدمار البيئي كان عاملاً اساسياً في إنهيار الثقافات المبكرة، و ما زال يهدد أيضاً الحياه المعاصرة. و نستطيع ان نشير الى كم لا يحصى من امثلة ذلك التفسخ في زماننا: انقراض بعض الاصناف، و تدمير الغابات المطيرة، و العجز في المحاصيل الزراعية، و استنفاذ الاراضي الزراعية، و الصيد و قطع الاشجار بطريقة بعيدة عن المسئولية، و تأثير التلوث الصناعي على الانهار و الجزر (شكل 2-2). فالتغيرات المناخية تعتبر شكل من الاشكال التي تمثل تهديداً على البيئة و صحة الانسان، و هو ليس فقط نتيجة للتدخل الانساني و لكنها تعتبر أيضاً من العناصر المساهمة في الدمار البيئي الذي تم ذكره عاليه. كما أنها تعتبر من اكثر التحديات التي يجب ان نواجهها، نظراً للجدل المتصاعد حول اسبابها و الطرق المقترحة لمعالجتها.
ان العلماء قد قاموا بدراسة التغيرات المناخية لعدة عقود، فضلاً عن أننا نرى اليوم وعي عام من الناس بتلك القضية. و نرى نشاط واهتمام متجدد حول ذلك الموضوع. فالحركة البيئية المزدهرة اليوم هي بداية لمعالجة ذلك التهديد العالمي، و سوف نستمر في مشاهدتها اذا كانت لدينا القدرة على النجاة. (موضوع التغيرات المناخية سوف يتم مناقشته في الفصول القادمة)
§         الحركات المتشعبة
"إذا انكسر العمود الفقري للجبل فسوف تغرق السهول التي بأسفله"
- شعار حركة تشبكو
إن "بول هوكين" يُعتبر واحد من الكُتِّاب الحالمين، و غالباً من الروائيين المهتمين بالحركة البيئية.  و كتابه "الرأسمالية الطبيعية: إنشاء الثورة الصناعية القادمة (1970)[3]" - و الذي إشترك في تأليفه مع اموري لوفينز و ل. هنتر لوفينز - يُعتبر دراسة مبتكرة لنموذج من الاقتصاد تصل فيه قدرات التحمل البيئي إلى اقصى حدودها. و هو عمل مميز يستحق القراءة في المدارس الثانوية و الكليات في كثير من التخصصات.
يسجل الكاتب بول هوكين في كتاب "الاضطرابات المباركة: كيف تأتي الحركات الكبرى الى حيز الوجود، و لماذا لا يرى احد انها آتية (2007)[4]"، كيفية بداية الحركة البيئية. فهو يصف حركة قد بدأت في مسارين متوازيين من العدالة الاجتماعية و البيئية، و التي الان تتقارب الى مسار واحد يجمعهما. فتلك الاستدامة البيئية و العدالة الاجتماعية - اللتان لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض - تعتبر واحدة من الاستنتاجات التي ادركها هوكين.
 إن فلسفة استدامة المباني تعتبر مكون اساسي من هذه الحركة التقاربية. و لابد اولا من تتبع بدايات التفكير البيئي لفهم الحركة الحالية و نشوء المباني الخضراء.
إن الحركة البيئية - على عكس الاعتقاد السائد - لم يتم ولادتها حصريا في العصر الفكتوري، فعلى سبيل المثال نجد أن تخريب الرجعيين لمصانع النسيج في انجلترا سنة 1811 كان نتيجة لفقد وظائفهم المصاحبة لتطور مصانع النسيج الحديثة في ذلك الوقت (شكل 2-3).
 
 
شكل 2-2 مسطح اخضر تحول الى نشاط صناعي على مستوى كبير.
 
شكل 2-3 مصطلح الرجعيين يتم اساءة اطلاقه على الذين لا يؤيدون استخدام الميكنة في الصناعة و التكنولوجيا الحديثة. ففي الحقيقة حركة الرجعيين كانت نتيجة لتطور النهضة الصناعية و تهديدها للاستدامة الاقتصادية.


لقد تم بداية تشريع قوانين التلوث في روما و الصين، في حين ان بيرو و الهند كانوا مدركين لاهمية الحفاظ على التربة[5]. و قامت المملكة المتحدة بتأسيس وكالة التحكم في الملوثات من خلال قانون القلويات سنة 1863، و ذلك لضرورة التحكم في انبعاثات غازات الكلوريد الناتجة عن مصانع القلويات.
لقد حدث في الهند سنة 1730 واحدة من اهم الحركات المعبرة عن جهود الحفاظ على البيئة، و ذلك عندما قامت مجموعة تقودها امريتا ديفي - المراة الحاكمة في البشنوي، و مقاطعة هندية من منطقة راجستان في الشمال الغربي للهند، و عُرفت بتفانيها العنيف لحماية البيئة، و اعتقادها بالقداسة الطبيعية للاشجار - باحباط محاولة مهراجا جودبور لقطع الاشجار من منطقتها لاغراض البناء. و على الرغم من اختلاف الاسباب، فمن الواضح ان القرويين قد لقوا حتفهم واحدا تلو الاخر عندما قاموا بإحتضان الاشجار في مواجهة عمال قطع الاشجار التابعين للمهراجا. و قد روي ان امريتا ديفي قبل أن يقطعوا رأسها قالت:"اذا تم قطع رأس الواحد في سبيل الحفاظ على شجرة فإن ذلك يستحق التضحية" (شكل 2-4). و لقد فقد 362 شخص من مختلف الاعمار حياتهم قبل ان يتم الغاء محاولة المهراجا لقطع الاشجار. و تم حماية الاشجار بعد ذلك بمرسوم ملكي[6] كرد فعل لهذه التراجيديا.
لقد شَكَّل الاحتجاج الهندي المبكر اصل حركة تشبكو الهندية سنة 1970، و اثار مصطلح "معانقي الاشجار". و كما كان مع البشنوي، فقد قادت امرأه حركة تشبكو ضد قطع الاشجار لمصلحة الشركات، و مرة اخرى كانوا يحيطوا الاشجار بأجسادهم لحمايتها. كما قام اعضاء حركة تشبكو بالاحتجاج من اجل الحد من قطع الاشجار، و التي شكلت منذ وقت مبكر نمط حياتهم و استدامتهم.
لقد استمر النشاط البيئي لعدة سنوات، و يعتبر رائد الحركة النسوية من اجل البيئية[7].
نجد حركة تشبكو مشابهة لطريقة موهاندس ك. غاندي للاحتجاج السلمي. فالبيئيين و الحركة النسوية موضوعان متشابهين و متطابقين في الروح، و كلاهما يعبران عن مسارين متماثلين - كما يصفهم هوكين بالاسم - في محاولة لدمج الموضوع الاجتماعي بالبيئي.
من ضمن البيئيين الالمعين تلك المرأة المميزة وانجاري ماثاي (شكل 2-5)، و التي حصلت على جائزة نوبل للسلام سنة 2004 لتكوينها حركة الحزام الاخضر- و هي حركة تهدف الى زراعة الاشجار على نطاق واسع لمكافحة التصحر و الحفاظ على الغابات - في كلا من كينيا و العالم. و نجد مرة اخرى ان هذه الحركة تم تكوينها و الدفع بها عن طريق امرأة، و يرتبط شكل العمل و حياة أعضاء هذه الحركة بتحقيق مزيد من الصحة لبيئتهم، و يدور نشاط هذه الحركة حول رموز الحياة و حمايتها، بما في ذلك الاشجار[8].
لقد اخذت كثيرا من الحركات الفطرية المتشعبة عن النشاط البيئي مكانة عالمية. و لكن لابد من ملاحظة ان هؤلاء الناشطين الاوائل كانوا اعضاء في مجتمعات صغيرة، و اعمالهم إرتبطت بالتحديات التي فرضتها جغرافيتهم الاقليمية و سياسة حكامهم الخرقاء.    
شكل 2-4 اهل حركة تشبكو تحيط بشجرة، و لذلك تم تسميتهم اصطلاحا معانقيين الاشجار.
إن السجلات المحدودة للتاريخ البيئي يغيب فيها - حتي وقتنا الحاضر  -بشكل جلي تاريخ هولاء الناس الفطريين.
إن كثيرا من هؤلاء الناس الفطريين في امريكا الشمالية - كما في بلاد كثيرة حول العالم - يشتهر عنهم احترامهم للطبيعة و عناصرها المقدسة التي تشكل بيئتهم المحيطة. فهم يدركون أهمية عمل توازن بين احيتاجاتهم المجتمعية اللازمة لبقائهم و مسئولية نيل شرف ممارساتهم الروحية المتجسدة في الطبيعة من حولهم. فهم يرون انفسهم جزء من دورة متكاملة للطبيعة و الحياة، و يعتقدون في انصهار اسلافهم بعناصر الطبيعة من حولهم.
نظراً لاختلاف هذه الثقافات في شكل الاستدامة و انماط الحياة ، فإننا نجد إختلافاً حتي في هذه الأساليب المبكرة المتعلقة بالبيئة. فبعض المجتمعات إستهلكت بيئتهم، و لكن ليس بنفس القدر الذي قام به الاوربيون منذ ان وضعوا أقدامهم في العالم الجديد[9].
كانت سوفيا رابلياسكس احد الحاصلين على جائزة جولدمان البيئية لعام 2007 - و هي عضوة في نهر حور الامة الاول بكندا و التي اصبحت ناشطة في المحافظة على استدامة الأنشطة بالغابات في الغابة الشمالية بمنطقتها - و تعتبر مثال ناجح لناشطة بيئية بمقياس العدالة الاجتماعية[10].
 
شكل 2-5 د. وانجاري ماثاي، مؤسسة حركة الحزام الاخضر و الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2004.


§         الثورة الصناعية
يمكن القول بأن السفينة (تيتانيك) تمثل البنية التحتية التي خلقتها الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. فهي يتم تغذيتها بالوقود الاحفوري و المفاعلات النووية و الكيمياء. و هي تصب نفاياتها في الماء و دخانها في السماء. و هي تسعي للعمل بقوانينها الخاصة على عكس قوانين العالم الطبيعية. و على الرغم من انها تبدو لا تقهر، فإن عيوب تصميماتها الاساسية تنذر بإنهيارها.
- "الثورة الصناعية القادمة،" وليام ماكدونالد و مايكل برونجارت، اتلانتك، اكتوبر 1998.
يبداء أي نقاش عن الوعي البيئي - في كل مرحله من مراحله و امثلته الاقليمية[11] - مع تاريخ الثورة الصناعية. فلقد تسببت الثورة الصناعية في تحول المجتمعات الزراعية بطيئة الوتيرة - التي تعتمد في حياتها على الارض الزراعية، و تعتبر مجتمعات ريفية محدودة، و تعتمد على نفسها - الى مجتمعات صناعية سريعة الوتيرة. فتحولت إلى مجتمعات مدنية فقيرة شكلت فيها المرأة و الطفل عنصر من عناصر اليد العاملة. و كانت ظروف العمل و الحياة في هذه الفترة الانتقالية مروعة، مثلها مثل التاثير البيئي المصاحب لذلك التحول الضخم. و اتاح لنا ذلك الادراك المتأخر لمساوئ الثورة الصناعية فرصة فهم التكلفة التاريخية لمكاسب المدن الحديثة في مجالات التجارة، و الصناعة، و حتى في مجال تحسين الصحة العامة.       
مهدت مرحلة الثورة الصناعية الطريق الى ظهور تضارب مجتمعي لا ينفصم عن التأثير البيئي في كثير من القارات  حول العالم لفترة طويلة من الزمن. و كان شعراء و روائيون العصر الروماني جديرين بالملاحظة المباشرة للثورة و اثارها البيئية و الاجتماعية التي قد ترتبت عليها.
لقد قامت ماري والستونكرافت شيلي (1797 - 1851) - كرد فعل على الثورة الصناعية - بكتابة اخطار العلم و الميكنة على العالم في روايتها "فرانكشتين: أو بروميسياس الحديث (1818)"، و يشير العنوان الفرعي الى الشخصية الاسطورية التي وهبت النار الي الجنس البشري، و التي ترمز الى ابداع و جراءة الجنس البشري (شكل 2-6). و في النهاية تمت معاقبة كلا من بروميسياس و الدكتور فرانكشتين على اطلاقهم العنان للإرهاب الحديث الذي ليس له حدود. فوحش فرانكشتين كان نتيجة لكلا من العلم الحديث و ضحاياه.
لم يكن رد فعل شعر وليام بليك (1757 - 1827) على الثورة الصناعية اقل قوة. فلقد قام بكتابة " اخضرار و لطف ارض انجلترا " في مقابل "طواحين الشيطان الظلامية[12]". و  اثناء فترة كتابة جورج اورويل الخصبة - المتعلقة بنهاية الثورة الصناعية الثانية بانجلترا - وصف كثير من الامراض الاجتماعية و السياسية الخاصة بتطور الثورة الصناعية من خلال رثاءه لتقدم الميكنة و تاثيرها على فهم الناس لانسانيتهم. أما كتاب اورويل "الطريق الى ويجان بيير (1937)" كان نتيجة لتجربته المباشرة مع الفقر و البطالة في قرية مناجم الفحم بشمال انجلترا. فلقد كانت ويجان - من خلال منظوره - المحطة التاريخية الاخيرة للثورة الصناعية، الرواسب المؤسفة "للتطور". و استغل فيها (أورويل) ويجان للتكهن بمصير الانسانية من خلال عصر الميكنة المستقر و العتيق و الكئيب[13]."
لقد تم اعتبار الطبيعة ذاتها - في خلال هذه الفترة - سلعة زراعية و اقتصادية. و قد لاحظ واحد من الاقتصاديين الاوائل الذين اهتموا بدراسة الثورة الصناعية (رتشارد ت. الي) ان المفهوم الاقتصادي المبكر "للارض" كان يخلوا من مفهوم ارتباطها بالطبيعة، فكانت الارض تعتبر في المقام الاول نوع من الحيازة و الملكية بانفصال عن الطبيعة[14].
كان لا يوجد قبل القرن العشرين ذلك الفرع من النظريات الاقتصادية الذي يطور نظرته الى الارض الى مفهوم بيئي و مورد اقتصادي. و ذلك هو التخصص المبنى على اساس المحافظة على فكرة محدودية انتاجية الارض، و فكرة رعاية الارض و الطبيعة.
إننا - كما يذكرنا بل ماكدونالد - ما زلنا نعيش مع البنية التحتية التي خَلَّفَتْهَا الثورة الصناعية. كما أن  تقدم الكيمياء الحديثة و الصراع الحربي - في نهاية القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين، في فترة نهاية الثورة الصناعية الثانية - قد تسبب في تحول اخر، ألا و هو تطور الكيمياء التصنيعية.
الثورة الكيميائية الحديثة
لقد اصبح شعار دوبانت لسنة 1930 - " الكيمياء تتيح أفضل الاشياء لتحقيق معيشة افضل" - ضحية التشكك الثقافي خلال سنوات احتجاجات 1960 في الولايات المتحدة الامريكية، و المجتمع اصبح في حذر و تشكك متصاعد تجاه شعارات تلك الشركات.
إن هذا التشكك هو إلى حد كبير نتيجة لجهود الاحيائية الشابة راشيل كارسون (شكل 2-7) و كتابها المئوي - الربيع الصامت (1962) - الذي سلط الضوء على الانتشار الواسع للمبيدات الحشرية و الفطرية و العشبية الضارة، و تأثيرها على المحيط الحيوي و السلسلة الغذائية و دورة المياه و اخيرا على الانسانية. و ربما لم يقدم احدا منبر لمناقشة تأثير الصناعة الحديثة على البيئة و صحة الانسان اكثر مما قدمته كارسون. فلقد كانت ملاحظة كارسون الرئيسية هي ان كيمياء المبيدات الحشرية هي عبارة عن دهون ذائبة، و افضل مكان تقيم فيه هو الخلايا الدهنية و الاجهزة الحيوية للانسان و بعض الثدييات الاخرى[15]. فلم تكن فكرة تخزين الكيمياء على المدى الطويل و عبئه على الجسم شئ يفهمه عامة الناس حتى طباعة كتابها في نيو يوركر. و لقد دفع كتابها بمناقشات و مناظرات، و التي أدت في نهاية المطاف إلى إنشاء وكالات مراقبة حكومية مثل الوكالة الامريكية لحماية البيئية (EPA)، و ذلك على الرغم من مجهود مصانع الكيماويات لتشوية سمعة كارسون والنيل من مصداقيتها.   
 
 

شكل 2-6 في رواية ماري شيلي (فرانكشتين)، كان يرمزالوحش للحداثة.
تم حظر المبيد الفطري DDT (دايكلورو دايفينيل ترايكلوروميثين) في سنة 1972 و تم سحب كثير من المبيدات الحشرية الاخرى (او كما تطلق عليها كارسون مصطلح "المبيدات الحيوية") من الأسواق الامريكية. و لكن استمر تصنيع و تصدير المبيدات المحظورة و المسحوبة من الأسواق الامريكية الى اجزاء اخرى من العالم، و ذلك على الرغم من التكليف الدولي لاشعار الدول بالمبيدات المحظورة[16].
تم التشديد الرقابة المنتظمة على المصانع الكيميائية و التحويلة نتيجة الحوادث الصناعية و التسريبات الكيميائية  التي حدثت في منتصف القرن العشرين. فمن امثلة تلك الحوادث و التسريبات تسريب غاز ميثيل الايزوساينيد بمصنع يونيون كاربيد سنة 1984 بمدينة بوبال بالهند، و ظهور مشكلة شركة هوكر للبلاستيك و الكيماويات[17] الخاصة بكب المخلفات الكيميائية في قناة كوميونيتي لوف بشلالات نياجرا بنيويورك لعقود طويلة ، و القاء المخلفات المسممة للبيئة مثل سكب نفايات شركة اكسيون فالدز سنة 1989 في مضيق الامير وليام بألاسكا (شكل 2-8).
 

شكل 2-7 راشيل كارسون، كتابها الربيع الصامت (1962) كان محك الحركات البيئية و الصحية.
 لقد خلقت حوادث المصانع النووية -  مثل الحريق الذي اندلع سنة 1957 في المحطة النووية بوندسكيل بانجلترا (شكل 2-9)، و مثل التي حدثت سنة 1979 بمحطة جزيرة الثلاثة اميال النووية بالقرب من هاريسبرج ببنسلفينيا، و مثل انصهار مفاعل تشرنوبيل النووي في سنة 1986 بشمال اوكرانيا - جو من الريبة على مستوى أداء الحكومات. و اثار جو عدم الثقة - الذي تخلل هذه الفترة - احتجاجات على المرافق النووية في نهاية السبعينيات. فظهر نوع جديد من النشاط البيئي تقوم بتحريكة (الى حد كبير) العاطفة، و يؤدي إلى تشكك الرأي العام نتيجة نشاطه الزائد. و اصبحوا بعد وقائع الكوارث البيئية و نشاطهم الاجتماعي يُعرفوا بالبئوييون الجدد. و برغم ذلك الاتجاه العاطفي فقد كانت هناك دعوة لتطوير السياسات العامة تجاه القضايا البيئية في الولايات المتحدة الامريكية و على مستوى العالم ككل. 
تمهيداً للحركات الرعوية و المحافظة
كان نشاط البيئيون الغربيون الاوائل محصوراً على الرجال: انصار الطبيعة الذين كرموا الحياة البرية و ساكنيها من خلال العلم و الفلسفة و الفن و الادب. و بعضهم كانوا رواد في تعزيز الصحة العامة، و وضع استراتيجيات منع الامراض مثل: الهندسة الصحية الجديدة، و البنية التحتية لمنظومة نقل مياه الصرف الصحي الحديثة.
 
شكل 2-8 مجهودات التنظيف بعد سكب مخلفات شركة اكسيون فالدز الزيتية بمضيق الامير وليام بالاسكا سنة 1989.
 
شكل 2-9 عمال معامل الالبان يسكبون الالبان بعد حريق محطة وندسكيل النووية سنة 1957 في المملكة المتحدة.
سوف نقدم باختصار قضايا الصحة البيئية ذات الصلة قبل التكلم عن الرعويين و المحافظين: مكافحة التلوث و الصحة العامة. فلقد قام بنجامين فرانكلن في القرن الثامن عشر ببنسلفينيا بقيادة احتجاجات تدعوا الى وضع قواعد لمنظومة صرف المسالخ و المدابغ و مصانع الجير الملوثة للمياه، جنباً إلى جنب العديد من انصار الرعاية الاجتماعية. و قام ايضا بابتكار جمعيات مدنية مثل "نوادي" مكافحة الحريق و مستشفى بنسلفينيا، و التي كرست نشاطها في رعاية المحرومين من الفقراء و المختلين عقليا[18].

شكل 2-10 مؤسس مدرسة نهر هودسون، الرسام توماس كول كان اسير عظمة المشهد الامريكي.

 
 
يُعتبر المهندس المدني السيد جوزيف بزالجيت رائد أخر من رواد تلك الحركات الرعوية و المحافظة، و الذي اُسند اليه مهمة تحديث منظومة الصرف الصحى كرد فعل على ظاهرة الرائحة النتنة التي كانت تعم لندن سنة 1858 نتيجة للتلوث الضخم المستمر و المنبعث من منظومة الصرف الصحي المكشوف في لندن والتي تصب في نهر التايمز، و هو وضع وصفه تشارلز ديكنز "بالداعر".
ظهر الاهتمام بالصحة العامة في ذلك الوقت، و تم اتخاذ تدابير الهندسية لعمل منظومات جديدة و تشكيل سياسات خاص بالحماية القانونية للصحة و مستوى جودة الحياة. و نجد هنا مرة اخرى تقارباً بين المسؤلية البيئية و الاجتماعية. 
إمرسون و ثورو كشخصيات رئيسية
الغرب الذي اتكلم عنه ليس إلا اسم اخر للحياة البرية، و موضوع الكلام هو ان المحافظة على البرية يعني المحافظة على العالم. فكل شجرة ترسل اخشابها تباعا بحثا عن هذه البرية. و تستورد المدن هذه الاخشاب باي ثمن. فالرجال تحرث وتبحر من اجلها. فمن الغابات و البرية ياتي المدد الذي يدعم الجنس البشري. لقد كان اسلافنا متوحشين. و حكاية رمولوس و ريموس الذين ارضعتهما الذئب ليست بدون معنى. فمؤسسين كل الولايات - الذين وصلوا الى الرفعة و المقام العالي - اكتسبوا قُوَّتَهُم و قُوُتَهُم من مصادر البرية[19].
- هنري ديفيد ثورو، "البشري"
 
الهواء يدعم القوة عندما نكون في صحة جيدة. و عبور الأراضي العارية التي بها أكوام من الثلج في وقت الشفق تحت السماء الملبدة بالغيوم، و بدون التفكير في فرص العثور على الثروات الكامنة في هذه الأراضي، هو أمر في حد ذاته يبعث على الإستمتاع و الإبتهاج. فأنا ممتن لكل ذلك و يصل إمتناني حتى إلى حافة هاوية ذلك الجبل.
- رالف والدو إميرسون، "الطبيعة"
يحتاج النظر في اصول فلسفة الرعاة و المحافظين إلى التقاط خيط محدد من البيئيين الغربيين الحديثيين - مثل الفلسفة الرومانسية المتعالية - و التي يمكن تتبعها من خلال الشاعر الانجليزي وليام وردسورث (1770 - 1850) الى رالف والدو إميرسون (1803 - 1882) و هو الكاهن الموحد الذي تحول الى فليسوف و كاتب و شاعر.
لقد إلتقيا وردسورث و إميرسون سنة 1833 خلال الفترة المحورية من رحلة إميرسون عبر أوربا، و التي من خلالها تعرض إلى الافكار العلمية المعاصرة، و الاكتشافات الحديثة في عالم الطبيعة، و التي جعلته ينتهي إلى ان "الطبيعة" هي تجسيد للعقل اللاهوتي. فيتجسد اللاهوت العقل البشري من خلال معرفته للطبيعة، حتى يتحول الجسد و الروح من نصفين منفصلين إلى مخلوق واحد عظيم."[20] و قد عمل إتصال إميرسون بالشاعر وردسورث و الرومانسيين الانجليزيين الاخرين على تعميق اهتماماته بروحانية عالم الطبيعة.
هذا الاهتمام نجده في مقالة إميرسون "الطبيعة" (و التي نشرت عام 1836). كما تستحوذ فلسفة إميرسون على فكرة يرى من خلالها الطبيعة على انها "روح العالم" و انها تم تسخيرها لخدمة الجنس البشري. و يرجع الفضل لإميرسون - من خلال مقالته و حركته الفلسفة المتعالية (التي تنص على ان الروحانية الحقيقية لا تتكون من دين نظامي) -  في تكوين الاطار الفكري للكاتب الطبيعي المحتج الفيلسوف هنري ديفيد ثورو (1817-1862).
لقد لاحظ ثورو ايقاع الطبيعة من خلال غابات إميرسون، و سجل تعايشه مع عالمها، و كون اعتقاده بأنه من غير البرية لا وجود للجنس البشري. و لقد شكلت كتاباته "البري أو الحياه في الغابة (1854)" و مقالاته عن الطبيعة و العصيان المدني السلمي، المبادي الاساسية للمفكرين و الناشطين البيئيين.
إميرسون كان من المحافظين، و كان يعلق بإستمرار على قوة الطبيعة و محاولات الجنس البشري لقهرها و غزوها. و هو يرى أن المجتمع المتحضر، و الصناعة، و نمو المدن يتدخل في البساط الاخضر، يبدوا ان المزارعين - الذين يعتمد بقائهم على التعايش مع الطبيعة - يرعوها بحكمة، و يعتمدوا عليها. يُعرف ثورو على نطاق واسع بانه ابو البيئيين، و ذلك لانه إلى حد ما قد اثر تاثيرا كبيرا في الرواد المستقبليين لهذه الحركة، و يتضمن ذلك جون موير البيئي المحافظ و المؤسس لنادي سيرا سنة 1882، و كذلك ديفيد بروّار مؤسس معهد جزيرة الارض و اصدقاء الارض، و آخرين. و نظراً لتصرفاته الخاصة البعيدة عن العنف - العصيان المدني السلمي و لانه كان البيئي الوحيد في زمانه الذي درس الامريكيين الاصليين المهمشين بنيو انجلاند - فقد استمرت رسالته عن العدالة الاجتماعية ابعد من ذلك، فقد حملها رواد القرن العشرين مثل المهاندس غاندي، و مارتن لوثر كنج، جر.
 لقد تأثر الفنانين و الكُتَّاب في امريكا الشمالية تأثراً مباشرا بخطى وردسورث و إميرسون و ثورو[21]. فابو مدرسة نهر هودسن لرسامين المناظر الطبيعية - توماس كول (1801 - 1848) الداعي الى رسم المناظر الرومانسية الطبيعية - قد رسم عظمة و ضخامة  الجبال (شكل 2-10) بطريقة شبيهة لطريقة رسم الصينين للمناظر الطبيعية، و الذي يظهر فيها الانسان ضئيل بالنسبة لضخامة الطبيعة. و لكن كول قد فعل ذلك مع القليل من التعديل. و على الرغم من ان رومانسية الطبيعة كانت موضوعه المركزي فقد قام كول بالاشارة في اعماله - من خلال الرمزية و الاستعارة - الى وتيرة تدخل الجنس البشري المستمرة على المناظر الطبيعية كرد فعل على ملاحظته المباشرة للثورة الصناعية الاوروبية.
§         رفقاء الدرب في الحركة البيئية: الفصل بين حركة الرعويين و حركة المحافظين[22]
 يعتبر جورج بركنس مارش من الكُتِّاب المؤثرين الذين ساروا على خطى ثورو، و كتابه "الانسان و الطبيعة: أو الجغرافيا الطبيعية كما تم تغيرها بفعل الجنس البشري" (1864) قد دفع لويس ممفور الى الاعلان بأن ذلك الكتاب هو الذي انشأ حركة الرعويين[23].
و على الرغم من حبه للطبيعة، فهو على العكس من ثورو، يعتقد ان البرية موجودة ليتم ترويضها، و لكن مع حمايتها بالاشراف الجيد. و لم يعتقد مارش - على العكس من معاصريه - ان الظواهر الطبيعية هي الدافعة للجغرافيا الطبيعية، و لذلك لم تكن هي المشكّلة للإنسان. و كان يعتقد بأن شدة تدخل الانسان - مثل الممارسات غير المسؤلة داخل الغابة - سوف تتسبب في الإضرار بالطبيعة[24].
 بالرجوع الى الحزبين المهيمنين الان في امريكا يمكن للواحد ان يستنبط ان كلمة "المحافظ" (عضو الكونجرس) قد نشئات من اول المحافظين الحقيقيين، و هو الرئيس الامريكي تيودور روزفلت (1858-1919). و كانت حماية المصادر الطبيعية واحدة من قراراته الرئاسية ، و قامت ادارته (1901-1909) بالاشراف على التشريعات الخاصة بحماية الغابات، و ادارة الاراضي العامة، و المحافظة على الحياة البرية.
قد اضافت مؤسسة روزفلت الامريكية لدائرة الغابات ملايين الافدنة من المتنزهات القومية (و كانت اولهم متنزه يلوستون القومية)، و وضعت الحياة البرية تحت حماية الحكومة. و كان ايضا اول رئيس امريكي يعقد مؤتمر عالمي للبيئة تحت عنوان كونجرس شمال امريكا الرعوي الذي عقد في 18 فبراير من عام 1909 و حضره ممثلون من كندا و المكسيك و نيوفوندلاند. و كان من مقررات ذلك المؤتمر العزم على عقد مؤتمرات مستقبلية لمعالجة المواضيع الرعوية. و قد رأي روزفلت بوضوح الحاجة الى حل عالمي: "من الواضح ان المصادر الطبيعية ليست مقصورة على الحدود بين الدول، و لذلك تمتد الحاجة الى رعايتها في هذه القارة بامتداد المساحة المتواجدة عليها."[25]
إن هواة الصيد كثيرا ما كانوا ينوّهون بان روزفلت كان صيادا طوال حياته، و هؤلاء كانوا يعتقدوا بأن الموارد الطبيعية ينبغي رعايتها من اجل هذا النشاط الترفيهي. و لقد اتاحت هذه الفترة الفرصة لميلاد ما يعرف باخلاقيات رعاية الموارد الطبيعية التي تتفق مع جدول اعمال عصر الاصلاح التدريجي. و كان انصار تلك الخطّة حذرين من دوافع اصحاب الاعمال الخاصة و الشركات الزراعية و فكروا بوضع كلا النشاطين تحت التنظيم الحكومي من اجل ان تدار بحكمة و يتم مراقبة استغلالهم المسرف للموارد الطبيعية.
كان هؤلاء الرعويين التقدميين يؤمنون بأن الموارد لا يمكن ان تدار بفاعلية إلا تحت الاشراف الحكومي، و بذلك يضمنوا ليس فقط هبة الطبيعة و لكن القوة الاقتصادية على حد سواء.[26] و لقد آمن روزفلت جنبا إلى جنب مع رئيس اللجنة الوطنية للرعاية - جفورت بنشوط، و هو ايضا أول رئيس لدائرة الغابات الامريكية - بضرورة "رعاية" الاحتياطي من الموارد الطبيعية من اجل تحسين اقتصاد الجنس البشرى. و لا تتعارض تلك الرؤية مع حق المؤسسات الخاصة في الاستفادة من الموارد الطبيعية، و لكن هدف ادارة الموارد الطبيعية هو تقديم التوجيه و التنظيم اثناء الاستخراج و الحصد و التخلص من النفايات الصناعية.
يرجع له الفضل إلى بنشوط - الذي تعلم مبادئ إدارة الغابات في المانيا و التي تشجع الإستفادة القصوى من الانتاج - في الفصل بين الرعويين و المحافظين. فبينما يؤمن روزفلت و الرعويين التقليديين الآخرين بان الطبيعة في حاجة الى الادارة الحكيمة من اجل استغلال الجنس البشري لها، نجد ان محافظ مثل جون موير سعى لحماية الحياة البرية من اجل جعلها مكان للدراسة و التأمل و الاستمتاع.
لقد تعرض روزفلت تعرضاً مباشراً لوجهة نظر المحافظين في سنة 1903 عندما تمت دعوته إلى التجول في وادي يوسمايت مع جون موير (شكل 2-11).[27] فخلال رحلة التخييم التي استمرت ثلاثة أيام قام الناشط موير بالضغط على روزفلت من اجل حماية منطقة الحياة البرية و نجح في الهام روزفلت بتزعم حماية وادي يوسمايت في الكونجرس الامريكي. و قام جون موير بتأسيس نادي سيارا سنة 1892، و هي منظمة استمرت في الحض على تشريعات الحماية حتى يومنا هذا. و في هذه الايام نجد وفرة من تلك المنظمات الخاصة الشبيهة التي تدعوا إلى حماية مناطق الحياة البرية.[28]  

شكل 2-11 تيودور روزفلت و جون موير على النقطة الجليدية بوادي يوسمايت بكاليفورنيا في سنة 1906.
§         حركة علم البيئة
كانت الحركة البيئية احدى الممارسات الناشئة في القرن العشرين، و هي لها صلة خاصة بالمباني الخضراء المتكاملة. فهي فرع جديد من العلوم - علم البيئة - قام مبكرا في وعي الجنس البشري في ذلك القرن، و تفترض ان البيئة هي مجموعة مترابطة من الكائنات. و حصل علم البيئة على مزيد من الرواج بفضل شخصية متنورة اخرى و هو ألدو ليوبولد (1887-1948). و هو يتشابه كثيراً مع ثورو، فقد مكث فترة في كوخه بالغابة المجاورة لمزرعته بمقاطعة رمال وسكانسن. فأدى ذلك إلى ظهور كتاب ليوبولد "تقويم مقاطعة الرمال" فكانت له بمثابة عمل ثورو "البري".
لقد بدأ ليوبولد كمدير للحياة البرية - في الحقيقة كرجل غابة مثل جفورد بنشوط - و أعماله يتم النظر اليها على سياق اوسع من نظيره بنشوط. و اراد ليبولد ان يترك اثرا في كيفية تفسير العلماء للحماية البيئية من منطلق علم البيئة الجديد. و اختلف مع العلماء نظراً لانهم لم يأخذوا في الاعتبار النظام البيئي كنظام متكامل. و فضل ليوبولد ان ينظر الى النظام البيئي بتلك الطريقة المتكاملة من خلال دراسة توازن الانظمة البيئية و علاقاتها التبادلية.
ليوبولد كان يعتقد بوجود نوعان من الرعويين:
·         الذين ينظرون الى الارض على انها تربة قادرة على انتاج قيمة اقتصادية بزرع الاشجار من اجل اخشابها او عن طريق بذر المراعي من اجل اطعام الابقار (رعويين يستغلون القيمة الاقتصادية للارض).
·         الذين ينظرون الى الارض على انها كائنات حية - مجموعة من الانواع المترابطة - عندما يصيبها العطب في شكل من الاشكال تظهر تداعياتها لمجموعة أخرى من القضايا المصاحبة (رعويين يتحلوا باخلاق علم البيئة).
ربما تكون مبادئ اخلاقيات الارض اكبر مساهمة قدمها ليوبولد لفلسفة البيئة، فقراءته للتاريخ و وسطة الاجتماعي افضى به الى الاعتقاد بأن المعاملة الاخلاقية للارض لم تكن موجوده في يوم من الايام. اخلاقيات الارض لليوبولد تم تلخيصها في آخر فصل من فصول كتاب "تقويم مقاطعة الرمال" و هي في الحقيقة تحث الجنس البشرى على الاخذ في الاعتبار التزاماتهم و علاقاتهم تجاه الارض و تؤكد على ان هذه الالتزامات بنبغي ان تمتد الى رعاية البيئة حتى و إن كانت هذه الرعاية سوف لا تعود على الجنس البشري بعائد اقتصادي.
نجد أن اخلاقيات الارض - كإمتداد للفلسفة الكلاسيكية - تدمج مجتمع الكائنات الحية. فيقول ليبولد حول اخلاقيات الارض "إن اخلاقيات الارض بإختصار تغير دور الانسان العاقل من غازي لمجتمعات الارض الى عضو و مواطن عادي فيها. و تنطوي على احترام لزملائه الاعضاء في تلك الأرض إلى جانب احترامه للمجتمع سواء بسواء. "[29]
ظهرت في اواخر القرن العشرين "فرضية جايا" لجيمس لافلوك، التي انحضرت من فلسفة علم البيئة، و تدعم مبدأ المباني الخضراء المتكاملة. لافلوك هو عالم من علماء إدارة الملاحة الجوية و الفضاء (ناسا)، و لذلك فهو مصدر موثوق لجمهور المستمعين بالرغم من ان نظريته تسببت في توجيه السخرية له من قبل زملاءه.
اصل فلسفة لافلوك (اول نشر لها في فرضية جايا 1979) تعتمد على ان الارض هي "كائن فائق"، و هي مجموعة من الاجزاء المترابطة، و التي تحافظ على الاتزان البيئي - في جوهرها تنظم نفسها بنفسها.[30] و لقد قام لافلوك في وقت لاحق بتصوير افكاره على انها تنظيم ذاتي. و ذلك التصور مثيراً للاهتمام في الوقت الحاضر، و نحن نواجة نتائج افعال الجنس البشرى على ذلك الكوكب الكبير.
تمارين
1.       في أشعار "أورشاليم" (وليام بليك) و "النزهة" (وليام وردسورث)، الطبيعة تنتسب الى الانسان و تمجد ذلك الإنتساب على شكل اشعار. كيف يمكنك وصف القرارات و التوجيهات التي اعطاها كل شاعر لقراءه؟
2.       ما هي الشخصية المعاصرة في عيون العامة التي يمكن ربطها بجون موير لقدرته على الحض على التغير و تحفيز المشاركة في الحركة البيئية و خلق الوعي بالقضية؟ ما هي السمات المشتركة في هؤلاء الاشخاص؟


دايموند، جارد م. 2005 الانهيار: كيف تختار المجتمعات النجاح او الفشل. نيويورك: مطبعة فايكنج، 2005.

هوكين، بول، و أموري لوفنز، و ل. هانتر لوفنز. 2008. الراسمالية الطبيعية: خلق الثورة الصناعية القادمة. شركة سنوماس: معهد جبال روكي.

هوكين، بول 2007. الاضطرابات المباركة: كيف تأتي الحركات الكبيرة الى العالم و لماذا لا يرى احد انها آتية. نيويورك: مطبعة فايكنج.

كلين، بنجامين 2000. الاول بطول النهر: ملخص لتاريخ الحركة البيئية في امريكا. سان فرانسسكو: كتب اكادا.

كارسول، راشيل 1962. الربيع الصامت. بوسطن و كامبردج، م.أ: مطابع هوتون مفلن و رفرسد.


ماك كورمك، جون 1989. إستصلاح الجنة: حركة البيئة العالمية. بلومنجتون: مطبعة جامعة إنديانا.

ثورو، هنري ديفيد. 1899 (الطبعة الاصلية 1854). البري، أو، الحياة في الغابة. نيويورك: ت. ي. كرويل و شركاءه.

أميرسون، رالف والدو. 2003. الطبيعة و مقالات مختارة. نيويورك: بنجوين كلاسيكس.

ليوبولد ألدو. 1949. تقويم مقاطعة الرمال و اسكتشات من هنا و هناك. نيويورك: مطبعة جامعة اوكسفورد.

لافلوك، جامس. 1982 (الطبعة  الاصلية 1979). جايا: نظرة جديدة للحياة على كوكب الارض: مطبعة جامعة اوكسفورد.

 




[1]  دايموند، الإنهيار، 11.
[2]  و. نيل ادجر و نك بروك، " هل يسبب التغيير البيئي العالم كوارث؟" في الكوارث الطبيعية و تطور العولمة، طبعة مارك بلينج (لندن و نيويورك: روتليدج، 2003)
[3]  هوكين، لوفينز، لوفينز، الراسمالية الطبيعية.
[4]  هوكين، الاضطرابات المباركة
[5]  "البيئيين؟ - تاريخ الحركة البيئية،" لورين اليوت، موسوعة بريتانيكا، 2007، في موسوعة بريتانيكا على شبكة المعلومات الدولية، http://www.britannica.com/eb/article-224631
(تم دخولها بتاريخ 11 يوليو، 2007)
[6]  "اللواء الاخضر الاصلي الهندي،" جريدة التايمز الهندية، 11 ابريل، 2006.
[7]  راماشندرا جونا، الغابات المضطربة: التغير البيئي و المقاومة القروية في الهامالايا (بركلي و لوس انجلس: مطبعة جامعة كاليفورنيا، 2000).
[8]  لمزيد من المعلومات حول حركة الحزام الاخضر: http://greenbeltmovement.org (تم دخول الموقع في 22 يوليو 2007)
[9]  كلاين، اولا بطول النهر، 14.
[10]  لمزيد من المعلومات حول سوفيا رابلياسكس و جائزة جولدمان اطلع على الرابط التالي: http://www. goldmanprize.org (تم دخول الموقع في 22 يوليو 2007)
[11]  بيتر ن. سترنس، الثورة الصناعية في تاريخ العالم (شركة بولدر: مطبعة وستفيو، 1998).
[12]  وليام بليك، أورشاليم، ظهور العملاق ألبيون (1804 - 1820؟). القدس تظهر في اكثر من مجموعة. بليك طبع اربعة نسخ بنفسه، واحدة منهم بالالوان و التي اعيدت انتاجها في طبعة حديثة: أورشاليم: ظهور العملاق ألبيون، الكتب المضيئة لوليوم بليك، الجزء الاول، تنقيح مورتون د. بالي (برنستون، NJ: دار وثائق وليم بليك و مطبعة جامعة برنستون, 1997: الطبعة الاصلية 1991).
[13]  همزا واكر، "دارين الموند، 6 مايو - 20 يونية، 1999،" مجتمع عصرالنهضة بجامعة شيكاغو n.d.،
  http://www.renaissancesociety.org/site/Exhibitions/Essay.40.0.0.0.0. htmI
(تم دخول الموقع في 23 ديسمبر، 2008).
[14]  هيرمان إ. دالي و جون ب. كوب جر. من اجل الصالح العام: توجيه الاقتصاد في اتجاه المجتمع و البيئة و استدامة المستقبل (بوسطن: مطبعة بيكون، 1994)
[15]  كارسون، الربيع الصامت، ترصد فيه كارسون صنفان من المبيدات الحشرية: الهيدروكربونات الكلورية و الفوسفاتات     العضوية و التي تعمل على الجهاز العصبي و الاجهزة الحيوية.
[16]  لمزيد من المعلومات حول آلية التكليف الدولي للاشعار بتصنيع و تصدير المبيدات المحظورة لاجزاء اخرى من العالم، انظر موقع وكالة حماية البيئة على النت: http://www.epa.gov/oppfead1 /international/trade-issues. htm
(تم دخول الموقع في 28 يونيه، 2007)
[17]  شركة هوكر للبلاستيك و الكيماويات تعتبر شركة فرعية لاكسيدينتال للبترول.
[18]  "بنجامين فرانكلن: حياة غير عادية، عقل كهربائي" (خدمة الاذاعة العامة الوثائقية)  تم البث في 19 و 20 نوفمبر، 2002. http://www.pbs.org/benfrankln/ (تم دخول الموقع في 28 يونيو 2007)
[19]  هنري ديفيد ثورو، "البشري" اتلانتيك مانثلي 9، رقم 56 (1862): 657-674.
[20]  رولا داسو ولز، حياه إميرسون في العلم: ثقافة الحقيقة (إيساكا، NY: مطبعة جامعة كورنيل، 2003)، 4.
[21]  باربارا نوفاك، رسام امريكا للقرن التاسع عشر: الواقعية و المثالية و الخبرة الامريكية (شركة بولدر: طبعة رمزية، 1979)، 61.
[22]  جون ماك كورميك، استصلاح الجنة: الحركة البيئية العالمية (بلومنجتون:  مطبعة جامعة انديانا، 1989).
[23]  لويس ممفورد، عقود براون: دراسة للفنون في امريكا، 1865-1885 (ماينولا، ن ي: مطبعة دوفر، 1972)، 78. انظر ايضا ممفورد، حالة الانسان، هوتون مفلن، 1973، و بيتر سميث، التقنيات و المدنية، 1984.
[24]  دنيال و. جيد، "مراجعات جورج بركن مارش: نبي الرعاية لديفيد لونثال،" جيوجرافيكال ريفيو 92، رقم 3 (2002): 460-462، ديفيد لوينسال، جورج بركينس مارش: فرمونتر متعدد الجوانب (نيو يورك: مطبعة جامعة كولومبيا، 1958)، 248.
[25]  "روزفلت يدعو كندا و المكسيك، يدعو الى مؤتمر امريكا الشمالية لرعاية الموارد الطبيعية في 18 فبراير. بنتشوت يأخذ خطابات الدعوة في رحلة تبداء بكندا ثم المكسيك لمناقشة الاجتماع المقترح،" نيويورك تايمز، 28 ديسمبر، 1908.
[26]  كلاين، الاول بطول النهر، 54.
[27]  تويودور روزفلت، "جون موير: إعتزاز،" التوقعات 109 (15 يناير 1915): 27-28، http:/www.sierraclub.org/John_Muir_Exhibit/life/appreciation_by_roosevelt. html (تم دخول الموقع في 29 يونيو 2007)
[28]  الإضطرابات المباركة لهوكنز و على موقعه، ارض اكثر حكمة، تحتوي على خلاصة وافية من تلك المنظمات: ارض اكثر حكمة: أدوات المجتمع لخلق مجتمع عادل و مستدام: http://www.wiserearth.org/
[29]  ليوبولد، تقويم مقاطعة الرمال، 204.
[30]  لافلوك، جايا، 144.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق